فصل: الشاهد السبعون بعد الثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن دولة بن حفص ملوك أفريقية من الموحدين ومبدأ أمرهم وتصاريف أحوالهم.

قد قدمنا أن قبائل المصامدة بجبل درن وما حوله كثير مثل: هنتاتة وتينملل وهرغة وكنفيسة وسكسيوة وكدميوة وهزرجة ووريكة وهزميرة وركراكة وحاحة وبني ماغوس وكلاوة وغيرهم ممن لا يحصى وكان منهم قبل الإسلام وبعده رؤساء وملوك وهنتاتة هؤلاء من أعظم قبائلهم وأكثرها جمعا وأشدها قوة وهم السابقون للقيام بدعوة المهدي والممهدون لأمره وأمر عبد المؤمن من بعده كما ذكرنا في أخباره واسم هنتات جدهم بلسان المصامدة حتى كان كبيرهم لعهد الإمام المهدي الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى ونقل البيذق أن اسمه بلسانهم فارصكات.
وهنتاتة لهذا العهد تقول إنه اسم جدهم وكان عظيما فيهم متبوع غير مدافع وهو أول من بايع الإمام المهدي من قومه فجاء يوسف بن وانودين وأبو يحيى بن بكيت وابن يغمور وغيرهم منهم على أثره واختص بصحابة المهدي فانتظم في العشرة السابقين إلى دعوته وكان تلو عبد المؤمن فيهم ولم تكن مزية عبد المؤمن عليه إلا من حيث صحابة المهدي.
وأما من المصامدة فكان كبيرهم غير مدافع وكان يسمى بين الموحدين بالشيخ كما كان المهدي يسمى بالإمام وعبد المؤمن بن يحيى بن محمد بن وانودين بن علي بن أحمد بن والال بن إدريس بن خالد بن إليسع بن إلياس بن عمر بن وافتن بن محمد ابن نجية بن كعب بن محمد بن سالم بن عبد الله بن الخطاب هكذا نسبه ابن نخيل وغيره من الموحدين ويظهر منه أن هذا النسب القرشي وقع في المصامدة والتحم بهم واشتملت عليه عصبيته شأن الأنساب التي تقع من قوم إلى قوم وتلتحم بهم كما قلناه أول الكتاب ولما هلك الإمام وعهد بأمره الى عبد المؤمن وكان بعيدا عن عصبية المصامدة إلا ما كان له من إثرة المهدي واختصاصه فكتم موت المهدي وعهد عبد المؤمن ابتلاء لطاعة المصامدة ووتوقف عبد المؤمن عن ذلك ثلاث سنين ثم قال له أبو حفص نقدمك كما كان الإمام يقدمك فعلم أن أمره منعقد ثم أعلن ببيعته وأمضى عهد الإمام بتقديمه وحمل المصامدة على طاعته فلم يختلف عليه إثنان وكان الحل والعقد في المهمات إليه سائر أيام عبد المؤمن وابنه يوسف واستكفوا به نوائب الدعوة فكفاهم همها وكان عبد المؤمن يقدمه في المواقف فبلى فيها وبعثه على مقدمته حين زحف إلى المغرب الأوسط قبل فتح مراكش سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وزناتة كلهم مجتمعون بمنداس لحرب الموحدين مثل بني ومانو وبني عبد الواد وبني ورسيغان وبني توجين وغيرهم فحمل زناتة على الدعوة بعد أن أثخن فيهم ولأول دخول عبد المؤمن لمراكش خرج عليه الثائر بماسة وانصرفت إليه وجود الغوغاء وانتشرت ضلالته في النواحي وتفاقم أمره فدفع لحربه الشيخ أبا حفص فحسم داءه ومحا أثر غوايته.
ولما اعتزم عبد المؤمن على الرحلة إلى أفريقية حركته الأولى لم يقدم شيئا على استشارة أبي حفص ولما رجع منها وعهد إلى ابنه محمد خالفه الموحدون ونكروا ولاية ابنه فاستدعى أبا حفص من مكانه بالأندلس وحمل الموحدين على البيعة له وأشار بقتل يصلاتي الهرغي رأس المخالفين في شأنه فقتله وتم أمر العهد لإبنه محمد ولما اعتزم عبد المؤمن على الرحلة إلى أفريقية سنة أربع وخمسين وخمسمائة وحركة الثانية لفتح المهدية استخلف الشيخ أبا حفص على المغرب وينقل من وصاة عبد المؤمن على الرحلة إلى أفريقية لبنيه أنه لم يبق من أصحاب الإمام إلا عمر بن يحيى ويوسف بن سليمان فأما عمر فإنه من أوليائكم وأما يوسف فجهزه بعسكره إلى الأندلس تستريح منه وكذلك فافعل بكل من تكرهه من المصامدة وأما ابن مردنيش فاتركه ما تركك وتربص به ريب المنون وأخل أفريقية من العرب وأجلهم إلى بلاد المغرب وادخرهم لحرب ابن مردنيش إن احتجت إلى ذلك.
ولما ولي يوسف بن عبد المؤمن تخلف الشيخ أبو حفص عن بيعته ووجم الموحدون لتخلفه حتى استنبل غرضه في حكم أمضاه بمقعد سلطانه وأعجب بفضله وأعطاه صفقة يمينه وأعلن بالرضا بخلافته فكانت عند يوسف وقومه من أعظم البشائر وتسمى بأمير المؤمنين سنة ثلاث وستين وخمسمائة ولما ولي يوسف بن عبد المؤمن وتحركت الفتنة بجبال غمارة وصنهاجة التي تولى كبرها سبع بن منقفاد سنة اثنتين وستين وخمسمائة عقد للشيخ أبي حفص على حربهم فجلى في ذلك ثم خرج بنفسه فأثخن فيهم وكمل الفتح كما ذكرناه ولما بلغه سنة أربع وستين وخمسمائة تكالب الطاغية على الأندلس وغدره بمدينة بطليوس واعتزم على الإجازة لحمايتها قدم عساكر الموحدين إليها لنظر الشيخ أبي حفص ونزل قرطبة وأمر من كان بالأندلس من السادة أن يرجعوا إلى رأيه فاستنفذ بطليوس من هذا الحصار وكانت له في الجهاد هنالك مقامات مشهورة ولما انصرف من قرطبة إلى الحضرة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة هلك عفا الله عنه في طريقه بسلا ودفن بها وكان أبناؤه من بعده يتداولون الإمارة بالأندلس والمغرب وأفريقية مع السادة من بني عبد المؤمن فولى المنصور ابنه سعيد على أفريقية لأول ولايته وكان من خبره مع عبد الكريم المنتزي بالمهدية ما ذكرناه في أخباره واستوزر أبا يحيى بن أبي محمد بن عبد الواحد وكان في مقدمته يوم المعركة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة فجلى عن المسلمين وكان له في ذلك الموقف من النصرة والثبات ما طار له به ذكر واستشهد في ذلك الموقف وعرف أعقابه ببني الشهيد آخر الدهر وهم لهذا العهد بتونس ولما نهض الناصر إلى أفريقية سنة إحدى وستمائة لما بلغه من تغلب ابن غانية على تونس فاسترجعها ثم نازل المهدية فتعاونت عليه ذئاب الأعراب وجمعهم ابن غانية ونزل قابس فسرح الناصر إليهم أبا محمد عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص في عسكر من الموحدين فأوقع بابن غانية بتاجرا من نواحي قابس سنة اثنتين وستمائة وقتل جبارة أخو ابن غانية وأثخن فيهم قتلا وسبيا واستبعد منهم السيد أبا زيد بن يوسف بن عبد المؤمن الوالي كان بتونس وأسره ابن غانية ورجع إلى الناصر بمكانه من حصار المهدية فكان سببا في فتحها وكان ذلك مما حمل الناصر على ولاية الشيخ أبي محمد بأفريقية حسبما يذكر إن شاء الله تعالى.